تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
محاضرات بعنوان: عناية السلف بالحديث الشريف
13268 مشاهدة
الإمام أحمد وكتابة الحديث

كذلك من الذين كتبوا الأحاديث الإمام أحمد رحمه الله، وهو من مشائخ أهل الكتب الستة. رتب مسنده على أسماء الصحابة، ولكنه وقع في مسنده أحاديث مكررة كثيرة. بلغ عدد الأحاديث التي في المسند أكثر من سبعة وعشرين ألف حديث. يعني قريبا من ثمانية وعشرين ألفا، وهذا مع التكرار فيها أحاديث مكررة كثيرة يمكن أنها قد تكون النصف أو الثلثين. إذا قيل: إن الأحاديث التي ليست مكررة عشرة آلاف فإن هذا شيء كثير، وكتب الإمام أحمد غير ذلك من الكتب التي تضمن الأحاديث وكان قد وهبه الله تعالى حفظا قويا حتى قال أبو زرعة لعبد الله بن أحمد: إن أباك كان يحفظ ألف ألف حديث يعني: يحفظ مليون حديث كيف عرفتم ذلك؟ قالوا: تتبعناه بالأبواب، ولعلهم يريدون ما يحفظه من الآثار، ومن الموقوفات، ومن المقطوعات، ومن المكرر وما أشبه ذلك، فهذا دليل على أنهم اهتموا بحفظ الأحاديث وبروايتها. مسنده كله أحاديث مرفوعة ليس فيه موقوف من كلام الصحابة أو التابعين إلا القليل.
في زمان الإمام أحمد علماء كثير كتبوا الأحاديث منهم الحميدي شيخ البخاري وهو زميل الإمام أحمد اشترك معه في الرواية عن ابن عيينة يوجد له مسند مطبوع في مجلدين. رتبه أيضا على أسماء الصحابة؛ انتقى الأحاديث الصحيحة.
يوجد في زمانه أيضا من المحدثين عبد بن حميد في زمن الإمام أحمد له أحاديث أو كتاب طبع بعضه، ويسمى منتخب أحاديث عبد بن حميد وهو من تلاميذ أهل الكتب الستة.
كذلك سعيد بن منصور له أيضا سنن مطبوعة أو مطبوع أكثرها، ولكنه رحمه الله لم يقتصر على الأحاديث المرفوعة؛ بل روى أحاديث موقوفة من كلام التابعين والصحابة ومن أفعالهم، اهتم بذلك فحصل على خير كثير.
وفي زمانه أيضا أو قبله عبد الرزاق بن همَّام الصنعاني عالم صنعاء شيخ الإمام أحمد هذا أيضا ممن كتب الأحاديث، وكتب الآثار وطبع مصنفه. موجودة فيه الأحاديث والسنن والموقوفات في أحد عشر مجلدا، وإن كان الحادي عشر جُعل فيه مسند معمر بن راشد كما ذكرنا قريبا. الأحاديث المرفوعة فيه كثيرة؛ أما الموقوفة فأكثر. بلغ ترقيمها أكثر من واحد وعشرين ألفا من أحاديث موقوفة أو مرفوعة.
ومن تلاميذه أبو بكر بن أبي شيبة عالم محدث مشهور؛ اشتهر بحفظ الأحاديث. ذكروا أنه كان يجلس على منبر أو نحوه أو مكان مرتفع يحدث فكان يحضره خمسة آلاف رجل يستمعون لحديثه؛ مع أنه ليس هناك مكبر ولكنهم يتقاربون إلى أن يسمعوا أحاديثه. صنف هذا المصنف الذي طبع، وبلغت أحاديثه أكثر من عشرين ألف حديث، وإن كان أوله لم يرقم؛ وذلك دليل على حفظه، وما وهبه الله تعالى من الحفظ والفهم، وهناك غيره من المحدثين في ذلك الزمان الذين كتبوا السنة، واهتموا بها مما يدل على أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كانت محل اجتهاد، وكان الصحابة والتابعون وتابعو التابعين يعتنون بها، ويحصونها ويكتبونها.